«المهمة القذرة، القاسية واللئيمة»
هكذا وبكل بساطة برر نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني فضيحة تورط إدارة بوش في إعطاء الكرت الأخضر لمحققي وكالة الاستخبارات الأمريكية لممارسة أصناف مريعة من التعذيب يحظرها القانون الأمريكي والدولي على المحتجزين المشبوه تورطهم في عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة. كل ذلك كما أردف تشيني ولازال يصر إلى هذه اللحظة من أجل هدف أسمى ألا وهو حماية أمريكا.
الذود عن حمى الأراضي الأمريكية في نظر الإدارة الأمريكية السابقة لم يكن ليتحقق دون خروقات صريحة للقانون العالمي ونقض معاهدة مناهضة التعذيب الدولية التي أقرتها الولايات المتحدة عام 1994 والتي تلزم بموجبها الدول الموقعة على المعاهدة بمحاكمة وملاحقة كل أشكال التعذيب، وفي حال التغاضي أوالفشل في تحقيق ذلك يتم اعتبار هذا خرقا واضحا للقانون الدولي. مابالنا إذا كان الملاحق والمفترض تقديمه للمحاكمة هنا هو أعلى قمة في الهرم الأمريكي السياسي رئيس دولة ونائب رئيس ووزير دفاع ومسؤولين آخرين ابتداء من وزارة العدل الأمريكية إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية مرورا بمحامين وأساتذة قانون وحتى أخصائيين نفسيين ساهموا بشكل كبير في خرق الدستور والقانون الأمريكي والالتواء حوله بمراوغة جبانة لتشريع فنون التعذيب التي تم تنفيذها سرا ليس فقط في جوانتانامو بل وفي سجون أخرى لم تسم مجازا «بالمواقع السوداء» في العراق وأفغانستان. هذا بالطبع مانعرفه لحد الآن في غياب الكثير من الحقائق.
بعض هذه الحقائق ظهر منتصف شهر أبريل الماضي وأثار ولازال يثير زوبعة وامتعاضا عالميين حين كشفت إدارة أوباما عن ما بات يدعى «بوثائق بوش للتعذيب» التي شرعت غطاء قانونيا للمحققين لاستخدام أنواع تعذيب محظورة أكثرها جدلا ماعرف بالـ waterboarding وهو إغراق السجين بقطعة مبللة بالماء على أنفه وهو في وضع الاستلقاء ليصيبه مايصيب إحساس الغريق تماما، وأخرى تتنوع من حبس المساجين في علب ضيقة بوجود حشرات زاحفة وغيرها الكثير. كل ذلك أكد للشعب الأمريكي قبل العالم الذي لم ينتخب بوش ولم يفهم لليوم كيف أعاد الشعب الأمريكي انتخابه ،كذب بوش وإدارته حينما ردد مرارا وتكرارا جملته الأشهر «نحن لانقوم بالتعذيب»، وذلك إبان فضيحة صور سجن أبو غريب.
من المفيد التنويه هنا بأن الإدارة الحالية لم تقم طواعية بنشر هذه الوثائق بل فعلت ذلك بعد ملاحقة قانونية مستميتة من منظمة الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية أحد أبرز حصون المجتمع المدني هنا والتي رفعت عدة دعاوى مرتكزة على قانون حرية المعلومات الأمريكي مطالبة بنشر كافة وثائق التعذيب السرية تحقيقا للشفافية ومن ثم للملاحقة القانونية. وحسنا ماقام به أوباما حين اتخذ القرار الحاسم بنشر الوثائق متجاهلا نصيحة عدد من مستشاريه من ضمنهم رئيس السي آي إيه الجديد الحالي ليون بانيتا الداعين بإبقائها طي الكتمان. ارتأى أوباما ذلك كتكملة لقراره الشجاع بإغلاق سجن جوانتانامو في ثاني يوم رئاسي له والذي لاقى استحسان العالم أجمع.
إلا أن الإدارة الحالية أوقعت نفسها في متاهة حين أعلنت في ذات الوقت بصراحة ليس فقط عن منحها العفو العام عن كافة محققي السي آي إيه المتورطين بشكل مباشر في التعذيب معللة ذلك بأنهم لم يكونوا سوى «عبد مأمور» في تنفيذ أوامر الجهات العليا بل والأدهى عن إعلان عدم الرغبة في ملاحقة النواة الأساسية في تشريع التعذيب بمن سمتهم الصحافة هنا جماعة بوش ورجاله الستة.
يواجه أوباما حاليا مأزقا أخلاقيا وسياسيا يجعله يقدم أحدهما على الآخر في محاولة غير مجدية للتوازن والتي على العكس وضعت الإدارة الحالية في موقف المتذبذب وغير الواثق. ففي حين أن تاريخ أوباما كبروفيسور للقانون الدستوري ومرشح رئاسي طالما وعد الناخبين وشدد على أنه في حال انتخابه سيلتزم باحترام الدستور الأمريكي يلزمه باتخاذ إجراء حازم ليس في نشر كافة الوثائق السرية فحسب بل وفي تعيين مدع مستقل لتكوين جهة قضائية تتعامل بشكل قانوني واضح مع فوضى الإدارة السابقة، إلا أن العديد من مستشاريه لازالوا ينصحونه بأن التورط في تقديم الإدارة السابقة للمحاكمة في هذه الأوقات ليس أفضل الحلول السياسية.
لازال أوباما على موقفه الداعي بطي صفحة الماضي، ولكن هل يقنع العالم الإسلامي بتدشين «البداية الجديدة» التي بشر بها أوباما العالم الإسلامي في خطابه القاهري الشهير الشهر الماضي على أنقاض سجناء حرموا من كافة حقوقهم القانونية وقضى ثلاثة منهم على الأقل نحبهم من أثر التعذيب ولازال الآخرون في غياهب السجون كل ذلك على أساس الشبهة فقط؟
للحديث بقية
ebtihalus@gmail.com
هكذا وبكل بساطة برر نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني فضيحة تورط إدارة بوش في إعطاء الكرت الأخضر لمحققي وكالة الاستخبارات الأمريكية لممارسة أصناف مريعة من التعذيب يحظرها القانون الأمريكي والدولي على المحتجزين المشبوه تورطهم في عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة. كل ذلك كما أردف تشيني ولازال يصر إلى هذه اللحظة من أجل هدف أسمى ألا وهو حماية أمريكا.
الذود عن حمى الأراضي الأمريكية في نظر الإدارة الأمريكية السابقة لم يكن ليتحقق دون خروقات صريحة للقانون العالمي ونقض معاهدة مناهضة التعذيب الدولية التي أقرتها الولايات المتحدة عام 1994 والتي تلزم بموجبها الدول الموقعة على المعاهدة بمحاكمة وملاحقة كل أشكال التعذيب، وفي حال التغاضي أوالفشل في تحقيق ذلك يتم اعتبار هذا خرقا واضحا للقانون الدولي. مابالنا إذا كان الملاحق والمفترض تقديمه للمحاكمة هنا هو أعلى قمة في الهرم الأمريكي السياسي رئيس دولة ونائب رئيس ووزير دفاع ومسؤولين آخرين ابتداء من وزارة العدل الأمريكية إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية مرورا بمحامين وأساتذة قانون وحتى أخصائيين نفسيين ساهموا بشكل كبير في خرق الدستور والقانون الأمريكي والالتواء حوله بمراوغة جبانة لتشريع فنون التعذيب التي تم تنفيذها سرا ليس فقط في جوانتانامو بل وفي سجون أخرى لم تسم مجازا «بالمواقع السوداء» في العراق وأفغانستان. هذا بالطبع مانعرفه لحد الآن في غياب الكثير من الحقائق.
بعض هذه الحقائق ظهر منتصف شهر أبريل الماضي وأثار ولازال يثير زوبعة وامتعاضا عالميين حين كشفت إدارة أوباما عن ما بات يدعى «بوثائق بوش للتعذيب» التي شرعت غطاء قانونيا للمحققين لاستخدام أنواع تعذيب محظورة أكثرها جدلا ماعرف بالـ waterboarding وهو إغراق السجين بقطعة مبللة بالماء على أنفه وهو في وضع الاستلقاء ليصيبه مايصيب إحساس الغريق تماما، وأخرى تتنوع من حبس المساجين في علب ضيقة بوجود حشرات زاحفة وغيرها الكثير. كل ذلك أكد للشعب الأمريكي قبل العالم الذي لم ينتخب بوش ولم يفهم لليوم كيف أعاد الشعب الأمريكي انتخابه ،كذب بوش وإدارته حينما ردد مرارا وتكرارا جملته الأشهر «نحن لانقوم بالتعذيب»، وذلك إبان فضيحة صور سجن أبو غريب.
من المفيد التنويه هنا بأن الإدارة الحالية لم تقم طواعية بنشر هذه الوثائق بل فعلت ذلك بعد ملاحقة قانونية مستميتة من منظمة الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية أحد أبرز حصون المجتمع المدني هنا والتي رفعت عدة دعاوى مرتكزة على قانون حرية المعلومات الأمريكي مطالبة بنشر كافة وثائق التعذيب السرية تحقيقا للشفافية ومن ثم للملاحقة القانونية. وحسنا ماقام به أوباما حين اتخذ القرار الحاسم بنشر الوثائق متجاهلا نصيحة عدد من مستشاريه من ضمنهم رئيس السي آي إيه الجديد الحالي ليون بانيتا الداعين بإبقائها طي الكتمان. ارتأى أوباما ذلك كتكملة لقراره الشجاع بإغلاق سجن جوانتانامو في ثاني يوم رئاسي له والذي لاقى استحسان العالم أجمع.
إلا أن الإدارة الحالية أوقعت نفسها في متاهة حين أعلنت في ذات الوقت بصراحة ليس فقط عن منحها العفو العام عن كافة محققي السي آي إيه المتورطين بشكل مباشر في التعذيب معللة ذلك بأنهم لم يكونوا سوى «عبد مأمور» في تنفيذ أوامر الجهات العليا بل والأدهى عن إعلان عدم الرغبة في ملاحقة النواة الأساسية في تشريع التعذيب بمن سمتهم الصحافة هنا جماعة بوش ورجاله الستة.
يواجه أوباما حاليا مأزقا أخلاقيا وسياسيا يجعله يقدم أحدهما على الآخر في محاولة غير مجدية للتوازن والتي على العكس وضعت الإدارة الحالية في موقف المتذبذب وغير الواثق. ففي حين أن تاريخ أوباما كبروفيسور للقانون الدستوري ومرشح رئاسي طالما وعد الناخبين وشدد على أنه في حال انتخابه سيلتزم باحترام الدستور الأمريكي يلزمه باتخاذ إجراء حازم ليس في نشر كافة الوثائق السرية فحسب بل وفي تعيين مدع مستقل لتكوين جهة قضائية تتعامل بشكل قانوني واضح مع فوضى الإدارة السابقة، إلا أن العديد من مستشاريه لازالوا ينصحونه بأن التورط في تقديم الإدارة السابقة للمحاكمة في هذه الأوقات ليس أفضل الحلول السياسية.
لازال أوباما على موقفه الداعي بطي صفحة الماضي، ولكن هل يقنع العالم الإسلامي بتدشين «البداية الجديدة» التي بشر بها أوباما العالم الإسلامي في خطابه القاهري الشهير الشهر الماضي على أنقاض سجناء حرموا من كافة حقوقهم القانونية وقضى ثلاثة منهم على الأقل نحبهم من أثر التعذيب ولازال الآخرون في غياهب السجون كل ذلك على أساس الشبهة فقط؟
للحديث بقية
ebtihalus@gmail.com